الحياء فضيلة.. لا تجرحوه بالنظر إلى المحارم .
اخذت الكثير من المجتمعات الإسلامية تزحف نحو مظاهر العلمانية متأثرة بالغرب الذي يحاول فرض سيطرة افكاره العلمانية على مجتمعنا الاسلامي بالقهر تارة والاستدراج تارة اخرى لتجريده من منابعه الثمينة المتمثلة بالعفة والنقاء.
ومن بين المظاهر التي يسعى الغرب لاشاعتها بعد ان رددوا شعارات تحرير المرأة، اشاعة الفاحشة من خلال منافذه العديدة المتفننة في الايقاع في المصيدة سواء عبر الفضائيات المعدة لهذا الغرض او من خلال المجلات والكتب التي تنشر قصصاً تشجع تلك الافكار ولكن من اهم ما يسعون لتأصيله داخل فتياتنا بدعوى دفعها بحجة الثقة بالنفس وعدم الخجل من خلال المشاركة الفاعلة في الحياة بالاختلاط والانخراط حتى في الاعمال التي هي من صميم عمل الرجل بعد ان كان حياؤها يمنعها من النظر الى كل ما يخدش عفتها.
وكلنا نتذكر وصايا الاهل لنا حينما بدأت ملامحنا تكبر ونودع طفولتنا بعدم رفع مستوى النظر عن الارض مع ابقاء الرأس مرفوعاً خجلا وحياء واتقاء نار الفتن التي تكون اولها نظرة وحتى لا تتحول الى نظرة تتبعها حسرة كنا وما زلنا نأمل ان يربي الجيل الجديد من الآباء ابناءهم على ما تربينا عليه من ان الحياء قطرة فلا تسكبوها ولا تنخدعوا بالدعوات التحررية الخداعة والهدامة التي تهدف الى خلع الحياء ونزع لباس الفضيلة والعفة..
ولا يخفى ما وصل اليه حال شبابنا وحتى بعض مسنينا من امكانيات في استراق النظر وجرح للحياء حتى لتتساقط قطرات الحياء من جبين فتيات محمرات الخدود دون جدوى ان يرتدع صاحبها ويخجل ومما يؤسف ان يجرح رجل كبير السن حاول صد نظرات فتى عن فتاة في احدى الباصات ليرد الفتى على وقار الرجل (وما دخلك انت هل تغار من الشباب).
وقبل الغوص في النظرات المحرمة على الرجال في نظرهم للنساء كما هي محرمة على النساء اللواتي يحاولن استراق النظرات نحو الرجال لا بد ان نعرج على الحياء الذي يعتبر اول رادع داخل البشر يمنعه من رفع نظراته نحو المحارم قبل استذكار حرمة النظر والعقبات المترتبة عليه.
فالحياء وان كان فطرة داخل كل واحد منا لكن على ما يبدو ان القطرات في الزمن الصعب صارت معرضة للفقدان وبدلا من ان يدفعنا واقعنا الى الفضيلة صار البعض يهتدي بهدي الرياح القادمة من الغرب والداعية الى الاغتراب عن واقعنا الاسلامي الملتزم، والحياء الذي كنا نراه في عيون الاطفال الذين يندسون خلف امهاتهم حينما يزورهم زائر غريب لم نعد نراها في عيون الذين كبروا فصاروا اكثر جرأة وشجاعة على المبادرة والمشاركة في الجلسات المشتركة ليعلنوا اننا محررون!!
واذا كان الحياء رادعاً من استراق النظرات فان د. رشيد فاهم محمد (علم الاجتماع) يقول عنه:
اذا كان للحياء مراتب فان خير الحياء المحمود الذي يجلب لصاحبه الخير ولا يقابل الا بالاحترام والتقدير لانه يدفع بصاحبه الى التحلي بالفضائل والعادات الايجابية الحميدة ويبعد صاحبه عن المنكر الذي يغضب الله ويجلب له الخزي والمهانة.
صفة الملائكة والأنبياء
ويضيف د. رشيد:
والله سبحانه جعل الحياء في خلق الانبياء والرسل وصفة الملائكة والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول (الا استحي من رجل تستحي منه الملائكة) وكان يقصد سيدنا عثمان رضي الله عنه في الحادثة المشهورة وما دام خير البشر يستحي افلا نشعر نحن بالحياء من المحارم ونردع انفسنا عن المنكرات، فاذا لم نكن على ذلك فاننا هالكون لا محالة لقول النبوة الاولى
اذا لم تستح فافعل ما شئت) ولا اظن ان احدنا يريد ان يفعل ما يحلو له في الوقت الذي يضع فيه حياءه وايمانه على اعتبار ان الحياء من الايمان.
اما منال عبدالرزاق (ماجستير اجتماع) فتقول:
ما زال البعض يعتقد ان الحياء صفة ملازمة للمرأة اما الرجل فان خشونته وقوته تمنعه من ان يتصف بذلك لكن الواقع ان للرجل حياء مكملاً لشخصيته ويزين عقله الرصين فيدفع به الى الاتزان والعفة التي تعصم النفوس وتغض الابصار من النظر الى ما حرم الله النظر اليه ويثبت الايمان في القلوب لان الحياء من اهم شعب الايمان الواجبة بعد التوحيد.
غذاء الحياء
واذا كان الحياء فطرة بشرية فاننا مطالبون بتغذيتها بالتربية السوية التي تعزز الارتباط بين الحياء والدين والحياء غير الضعف كما يظن البعض، والظاهر من حديث البعض ان فكرة الحياء لم تطب لهم فهذه ام هبة تدعي بان افكارنا تؤدي بالمجتمع نحو التخلف وتقول: ما الذي يدفعني الى جعل ابني او ابنتي يخجلون من مواجهة الآخرين؟
وعلى ما يبدو ان الكثيرين لا يدركون الفرق بين قوة الشخصية التي يجب ان يتمتع بها الجميع وبين ان نغذي الحياء دواخلنا، فاذا كان الكثيرون من دعاة التحرر حاولوا تزيين المحارم ولملمتها تحت مسميات عديدة كما راق لهم ان يصفون حجاب المرأة بالخيمة والكفن، فهم ذاتهم الذين يصفون النظرات المتعدية لحدود الحلال بالحرية الشخصية والثقة الزائدة بالنفس وعدم الخوف من الآخرين.
ادمان النظر ضياع للدين
ولاجل ايضاح حرمة النظر الى الغير، يقول الشيخ عبدالرحمن ستار:
ان النظر الى النساء من المحرمات لقول الله تبارك وتعالى في سورة النور ((قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم)) فالادمان على النظر الى المحارم يؤدي الى ضياع الدين والدنيا لان فيه مفسدة للمجتمع وهدماً للاخلاق الاجتماعية التي يجب ان يربى عليها الابناء بعدم النظر الى المحارم كما لا تحب ان ينظر الى محارمك.
ولهذا نرى حتى في صلاة المساجد ورد النهي عن قرب الرجال من النساء في الصلاة حيطة من استراق النظر والذي حرم على الرجل ان يقصد بنظره الى النساء في المسجد، وعلى المرأة ان تحتجب وان تدخل من موضع محجوب لا يدخله الرجال حتى تكون بعيدة عن عيونهم وهم بعيدون عن عيونها ولاجل ذلك فان خير صفوف الرجال اولها وشرها آخرها لقربها من النساء وخير صفوف المرأة اخرها وشرها اولها لقربها من الرجال. واذا كان هذا التحريم في اطهر بقعة واعظم عبادة فكيف بالنظر الى المحارم في الطرقات.
وما حكم النظر الى صور النساء في المجلات؟
ليس للمسلم حق في النظر الى وجوه النساء ولا الى شيء من عوراتهن لا في المجلات ولا غيرها لما له من اسباب للفتنة فلابد من غض البصر.
واذا كان الله امرنا بغض البصر وعدم النظر الى المحارم فان الامر ينطبق على الناظرين الى النساء والرجال في التلفاز فهو جهاز فيه من المفاتن الكثير والذي يدفع بالناس الى مشاهدته وفيه من التعري والاباحية ما يكفي لاشاعة الفتن والفساد وقد وصلت دعوات تحريم النظر للنساء حتى النظر الى مذيعات الاخبار اللواتي يطالعننا على الشاشات في ابهى حلتهن لقول الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأل عن نظر الفجأة فقال (اصرف بصرك، لا تتبع النظرة النظرة).
فكيف الحال بمن لا يفارق التلفاز ليل نهار ولا يرفع عيونه عن عيون الممثلين والممثلات والتي يحاول مخرجو الفتن والانحلال ابراز النظرات السامرة من العيون، واكثار اللقطات المخجلة والعيون تنظر الى المحارم حيث نظرة واحدة تكفي لاشاعة الفتنة وكما يقول العقلاء:
من سرح نظره اتعب خاطره، ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت اوقاته، ولا اظن عاقلاً في الوجود يريد اضاعة اوقاته فيما يضيع منه دينه وآخرته ولكن الغفلة هي التي تدفع بالكثير الى تيسير الحرام وتسهيل الوقوع فيه لان تكرار الافعال المحرمة تجعل الامور تبدو لفاعلها امراً عادياً.
الرؤية الشرعية
يستثنى من النظر الى المحارم، النظر الى النساء بقصد الزواج فعلى الراغب بالزواج النظر الى الفتاة نظرة مباشرة لا ان ينظر الى صورتها لان النظر لصورة الفتاة وان كان بقصد الزواج فيه محاذير اما النظر المباشر الى الفتاة في مناسبة وهي لا تعلم فهذا لا بأس فيه ولكن لا بد من شروط للرؤية الشرعية لغرض الزواج فنظره لها يكون نظر استعلام لا نظر استمتاع وتلذذ وان لا يخلو بها وان يغلب على ظنه الاجابة فيما لو اعجبته الفتاة.
كثيراً ما الصق موضوع النظر الى النساء بالرجال الذين يكثرون النظر الى النساء في الطرقات والاسواق، لكن حضارة اليوم المنقحة لدى البعض شجعت فتياتهم المتأثرات بهذه الحضارة الى النظر الى الرجال ربما رغبة منهن في ابراز شجاعتهن ورغبة في البحث عن رجل تصطاده للزواج في اغلب الاحيان وكأن حرمة النظر غير ملصقة بالنساء.
وحتى نعطي الموضوع حقه اعطيت لنفسي الحق لاستراق النظر بحثاً عن امرأة جريئة النظرات لتجيبنا عن تساؤلنا حول النظر الى الرجال.
وبعد ان عثرنا على الفتاة كان علينا اقناعها بالحديث حول الموضوع تقول (سناء) ان نظراتها بريئة لا تقصد بها غير الخير فهي تحاول البحث عن رجل يعجب بها وهدفها من وراء ذلك الزواج لا شيء سواه.
والظاهر من كلام سناء ان ضعف الايمان هو السبب وراء نظرها للرجال لانها انكرت حرمة النظر كما انكرت حقيقة ان القسمة والنصيب مكتوبة على جبين البشر منذ ولادته، والنظر الى الرجال لا يجلب النصيب لو كان بعيداً وما لم يقسمه الله لها فكيف بمن لا يؤمن بحرمة النظر الى الجنس الآخر.
ان التربية الدينية مسؤولية مهمة تقع على عاتق الابوين الجانب الاكبر منها ثم يأتي دور التوجيه والارشاد عبر وسائل الاعلام والندوات التي تثبت فاعليتها القوية في التأثير.
واذا كان هدف المجتمعات الغربية التي يغيظها الاسلام والتزامه، تعرية نسائنا وبناتنا من حيائهم فان المجتمعات هذه اختارت الهدف نفسه للايقاع بالرجال تحت تأثير الاثارة والفتنة فتدفع بعيون الرجال الى المرأة لتوقع الاثنين في مصيدة واحدة، فلا بد ان يكون الرادع من النظر داخل كل واحد منا لنقف بوجه من يحاول النيل من حيائنا والتزامنا واعتصامنا عن المحارم ولله در القائل لقول:
كل الحوادث مبدأها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء مادام ذا عين يقلبها
في اعين الغيد موقوف على خطر
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحباً بسرور جاء بالضرر
ان ما يسعى اليه اعداؤنا هو سحب عفتنا وتجريد حيائنا وسلخنا عن التزامنا بتمتيع نواظرنا بالحرام وتجاوز حدود النظرة الاولى الى نظرات ونظرات فيدفع بنا الى المعصية التي لا تخشى الله ولا يرحمنا معها فلا اهلاً ولا مرحباً بنظرة هالكة لا محالة.